من المعلومِ قطعًا أنّ أيٍّ من الأعمالِ الحكائيةِ، والرّوايةُ علىٰ وجهِ الخصوصِ يقومُ علىٰ عدّةِ مُقوّماتٍ أساسيّةٍ تُشكّلُ الدعامةَ الرئيسةَ في محتوىٰ الطّرحِ.
تلكَ المُقوّماتُ التي لم يختلف عليها أحدُ النّقَدَةِ في تناولِ العملِ بالتّحليلِ أو الدّراسةِ، وتشملُ: اللّغةَ، والحيثيةَ، والحبكةَ، والسردَ، والعُقدةَ، وفي كلِّ ذلكَ يُبنىٰ العملُ علىٰ مُقدّمةٍ، وعرضٍ، وختامٍ. وها هو الأُستاذُ الرّوائيُّ/ أحمدفتحي رزق، يُطالعُنا بِمفهومٍ جديدٍ في روايتِه الواقعيّةِ صباحٌ ينتظرُ الفرجُ، تلك هي عتبةُ النصِّ الأُولىٰ، فوقَ التّقديمِ، والّتي اختارَها لِيعبُرَ من خلالِها إلىٰ قضيّتِهِ التي -أرىٰ- أنّها كانت شُغلّا شاغلًا لهُ قبلَ، وبعدَ، وأثناءَ السردِ الرّوائيِّ لأحداثِ عملِهِ هذا، تلك القضيّةُ التي سارعَ بالإفصاحِ عن محتواها بأسلوبٍ مُنسابٍ لا انكسارَ في مُحاياثاتِهِ الحكائيةِ منذُ أن وضعَ عنوانَهُ إلىٰ أن ختمَ مقاصدَهُ، ذلكَ حينَ صرّحَ علىٰ لسانِ الإعلاميِّ المعروفِ/ حاتم النّقلي بالأسبابِ المؤديةِ إلىٰ كثرةِ حالاتِ الانفصالِ، وزيادةِ مُعدّلاتِ الطّلاقِ من طريقِ الإشارةِ وطرحِ التساؤلِ علىٰ جمهورِ برنامجِه الإعلاميِّ، الذي تتابعُه (سماح) بطلةُ العملِ الأولىٰ، منذ أن كانت فتاةً في بيتِ أبيها. ذلك التعجيلُ الذي أفقدَ العملَ الروائىَّ جانبًا من شائقيّتِهِ، بيدَ أنّهُ لم يُؤثّر في التّبئيرِ لقضيّةِ الطَّرحِ مِن خلالِ اللعملِ علىٰ أبعادٍ أخرىٰ حملت بينَ طيّاتِها عددًا من القضايا الفرعيةِ المُؤثّرةِ في تلقّي العملِ برغبةٍ مُلحّةٍ لاستكمالِه . * لغةُ النصِّ: ساقَ الروائيُّ لغتَهُ صحيحةً مُشوّقةً جزلةً قويّةً، حتىٰ ما نعانيهِ الآنَ مِن ركاكةِ الصياغةِ، وضعفِ التراكيبِ في أكثرِ الأعمالِ الروائيةِ، إلّا أنّك تراهُ يقفُ بكَ علىٰ خلفيّةٍ لغويةٍ لديهِ نتيجةَ محصولٍ وافرٍ من الأساليبِ الإبداعيةِ لا تقلُّ في طبيغتِها عن كبارِ أدباءِ عصرِ الروايةِ فيما بينَ العقدينِ السابعِ والثامنِ من القرنِ المنصرمِ. * شخصيات النصّ: ولقد انتقىٰ الروائيُّ شخوصَ نصّهِ بِعنايةٍ نلحظُها مليًّا في تلك الاختياراتِ المُعبِّرةِ لأسمائِهم، فسماحُ تلك الفتاةُ التي لها من اسمِها نصيبٌ، لم يُلوّثها سوىٰ ما قامَ بهِ زوجُها (محمود) من سلوكياتٍ مشينةٍ لا تليقُ برجلِ تربيةٍ وتعليمٍ، ومنالُ، تلك المرأةِ التي ادّعت زمنًا صدقَ علاقتِها بسماحَ، غيرَ أنّها كانت تسعىٰ من ورائها إلىٰ منالٍ أعظمَ من تلك الصداقةِ، وحنانُ المرأةُ المثقفةُ العاملةُ في حقلِ الإعلامِ، والتي كانَ يجدرُ بها إن تكونَ علىٰ خلافِ ما بدا منها من الحنانِ إلىٰ الرجالِ الذين تُغلّفُ علاقتَها المشبوهةَ بهم بثوبِ العملِ . * حبكةُ النصِّى وقد ساقَ الروائيُّ النصَّ علىٰ وجهِهِ من غيرِ أن يقعَ في أكثرِها فيما يُخلُّ بمحايثاتِ بنائهِ، بل وإنّك لتقرأُ المشهدَ من روايتِه كأنّكَ تراهُ عيانًا؛ فقد أحسنَ ترسيمَ حدودِ الصورةِ الدراميةِ كأحسنِ ما يكونُ، فزاوجَ في العملِ بينَ خصائصِ الروايةِ وخصائصِ المسرحيةِ، مع فارقِ اختزالِ الحوارِ علىٰ حسابِ السردِ الوصفيِّ. * موضوعُ الطّرحِ: وأخيرًا لا يتّسعُ المقامُ للزيادةِ علىٰ القولِ بأنَّ الطّرحَ مع ما امتازَ بهِ من حملِهِ لخصائصِ الروائيِّ / أحمد فتحي رزق، وبصمتِهِ التي تمظهرَ شخصُهُ فيها بلغتِهِ وعرضِهِ، إلّا أنّه لم يخلُ من افتقادٍ لمُعالجةٍ حاسمةٍ لنوعِ تلك القضايا؛ وقد عرضَ لقضيةِ الطلاقِ، وبعضِ الأسبابِ المُؤدّيةِ إليهِ، جنبًا إلىٰ جنبٍ معَ عددٍ من القضايا الفرعيةِ، كالخياناتِ الزوجيةِ، وافتقادِ بعضِ العلاقاتِ الآدميّةِ إلىٰ الصدقِ.. وعلىٰ كلٍّ، فإنّ الروايةَ تستحقُّ الدراسةَ وفقًا لمستوياتِ التحليلِ الأسلوبيِّ؛ فمعانيها جمّةٌ، ومبانيها قويةٌ معبِّرةٌ، وطرحُها جيّدٌ.